الردار24H
فقدت الساحة السياسية والفكرية المغربية، اليوم الاثنين 13 أكتوبر 2025، أحد أبرز رموز اليسار الجذري، مصطفى البراهمة، القائد السابق لحزب النهج الديمقراطي، والوجه الماركسي الذي ظل وفياً لقناعاته ومتشبثاً بخط النضال حتى آخر أيامه.
ولد الراحل في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وتدرج في مساره الدراسي حتى أصبح مهندساً، قبل أن ينخرط مبكراً في صفوف اليسار الجديد، من خلال النقابة الوطنية للتلاميذ، ثم تنظيم “إلى الأمام” الذي شكّل أحد أبرز فصائل اليسار الماركسي اللينيني بالمغرب خلال سبعينيات القرن الماضي.
عرف البراهمة تجربة الاعتقال السياسي مرتين، أولاهما سنة 1976 حين أوقف بتهمة الانضمام إلى تنظيم سري والمساس بأمن الدولة الداخلي، والثانية سنة 1985 حين أُدين بعشرين سنة سجناً بتهمة “المؤامرة ضد النظام”، لكونه من بين القيادات التي حافظت على استمرارية منظمة “إلى الأمام” بعد اعتقال مؤسسيها الأوائل. وقد أمضى عشر سنوات في السجن قبل أن يُفرج عنه بموجب العفو الملكي العام لسنة 1994.
بعد الإفراج عنه، واصل البراهمة مسيرته السياسية والنضالية، فكان من المؤسسين الأوائل لحزب النهج الديمقراطي، وتولى قيادته لاحقاً، محافظاً على خطه النقدي الجذري في مقاربة قضايا الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الطبقة العاملة.
تميز مسار الراحل بمزيج نادر من الالتزام الفكري والممارسة المهنية، إذ جمع بين تكوينه كمهندس ومهامه كمفتش جهوي للتعمير وإعداد التراب الوطني، وبين نضاله السياسي والفكري في صفوف اليسار. كما ظل، حتى في سنواته الأخيرة، منخرطاً في النقاش العمومي، حيث ناقش أطروحة علمية بالمعهد الوطني للتعمير والتهيئة رغم معاناته مع المرض.
برحيل مصطفى البراهمة، يودّع المغرب أحد الأصوات اليسارية الصلبة التي لم تساوم على المبدأ، وظلت تؤمن بأن الفكر والنقد سبيلان لبناء وطن أكثر عدلاً وكرامة. لقد غاب الجسد، لكن أثر الرجل سيبقى حاضراً في ذاكرة الحركة اليسارية، وفي تاريخ جيل ناضل من أجل مغرب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
